السبت، 20 سبتمبر 2008

حواري مع الدكتور محمد بديع عضو مكتب الارشاد



ده نص الحوار الذي اجريته مع الدكتور محمد بديع عضو مكتب الارشاد ونشر علي موقع أخوان أون لاين

أتمني ان الحوار يعجبكم ، لان فعلا الدكتور محمد بديع من انقي الشخصيات الي الواحد ممكن يشوفها في حياته ومش قادر اوصف لكم قد ايه استمتعت بالحديث معاه

الي نص الحوار

د. بديع في حوار عن رمضان والسجون وهموم الإخوان

- أكلنا في السجن الحربي طعامًا مسمومًا فاستُشهد الأخ حامد شريك

- لم أشعر بالشهر الكريم إلا بعد انضمامي للجماعة على يد الأخ السوري

- الحزب الوطني يتهمنا باستغلال الفقراء ثم يقلدنا في توزيع شنط رمضان

- ورد الرابطة كان يجمعنا بإخواننا أحياءً وأمواتًا ونحن خلف القضبان

حوار- أحمد رمضان وأحمد عبد الفتاح:

د. محمد بديع.. ليس فقط مجرد قيادي إخواني بارز أو أحد أعضاء مكتب الإرشاد، أو ممن قضى سنوات عديدةً من عمره خلف القضبان في سبيل دعوته؛ منها 5 سنوات في محاكمة عسكرية ظالمة، وإنما هو المربِّي واسع الأفق؛ فعندما تتحاور معه لا بد وأن تستمع له بإنصات؛ فروحه المرحة وابتسامته الدائمة وحجته القوية وأسلوبه السهل يجعلك تعتبره أبًا لك قبل أن يكون مربيًا أو مسئولاً في كبرى الحركات والجماعات الإسلامية.

التقينا بالدكتور محمد بديع في إحدى ليالي رمضان المباركة؛ سألناه عن ذكرياته في رمضان خارج ووراء القضبان، وعن حال الدعوة الإسلامية، ووضع جماعة الإخوان، وقضايا أخرى عديدة؛ انتهزنا لها فرصة لقائنا معه لنطرحها عليه بقوة؛ لأنه سيرد عليها أيضًا بكل جرأة، وإلى نص الحوار:

* بما أنه حديث رمضاني نودُّ أن نغوص معًا في ذاكرة الدكتور بديع، ونقلب صفحاتها؛ لنتعرف على بدايته مع الإخوان

** انضممت للجماعة عام 1959م على يد أحد الإخوة الكرام من مدينة حماة بسوريا؛ فهو الذي أخذ بيدي وأدخلني الجماعة، وذكرياتي مع هذا الأخ نموذج للداعية الذي بذل الجهد والوقت من أجل من يدعوه؛ فهو لم يُلقِ إليَّ بعض الكلمات ثم انصرف، ولكنه كان يتابعني بالتربية والتنشئة وعلاج الثغرات وسد النقص؛ لهذا أنا لا زلت أذكره بالدعاء.. إنه الدكتور محمد سليمان النجار من إخوة حماة، أكرمه الله.

* فيما يتعلق برمضان.. هل اختلف رمضان بعد عام 1959م عما قبله؟

** يجب أن تعرف أنني عندما أتحدث عن ذكرياتي مع رمضان أو مع الإخوان؛ فإن هناك حقيقةً واحدةً يجب تأكيدها؛ وهي أنني لم أشعر برمضان إلا مع الإخوان، وأتصور أن ذكرياتي مع الإخوان هي عمري كله؛ لأن ما غيره لا وزن له ولا ثقل له ولا قيمة له.

* هل اختلف رمضان قبل الانضمام للإخوان عما بعده؟

** بلا شك؛ لأن هذا الجسد إذا ما دبَّت فيه الروح يختلف تمامًا عنه قبل أن تدب فيه الروح، والأستاذ البنا رحمه الله يصفنا بأننا روح جديدة تسري في جسد هذه الأمة لتحييَها بالقرآن؛ فأنا لم أذُقْ مثلاً حلاوة القرآن الكريم قبل أن أنضم لهذه الجماعة المباركة كما ذقته بعد انضمامي لها، وعندما قرأت مثلاً كتاب (الظلال) للشهيد سيد قطب الجزء الثلاثين، وقد كان هذا الجزء الوحيد الذي أحفظه من القرآن في صغري، إذا بكلمات سيد قطب وكأنها تقول لي أنت لا تقرأ القرآن، وإن كان كل هذا في القرآن فما بالكم برمضان؟! فبالتأكيد رمضان يختلف كثيرًا مع الإخوان؛ ولهذا فقد كانت علاقتي بالإخوان المسلمين هي التي دبَّت فيَّ الروح لكي أتعامل مع القرآن والعبادات وأفهم رسالتي في هذه الدنيا، ثم فتحت الطريق بيني وبين المجتمع لكي نفيض عليه مما أفاء الله علينا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال عن المؤمن الذي لا أثر له في مجتمعه كالتمرة؛ لا ريح لها.

رمضان خلف الأسوار

* ما هي المواقف الرمضانية المحفورة في صندوق ذكرياتكم؟

** شهر رمضان كله ذكريات طيبة، لا يمكن للإنسان أن ينسى كل ما مرَّ به من اختبارات وابتلاءات، خاصةً ونحن في السجن الحربي عندما حبسوا أحد الإخوة في زنزانة انفرادية، وكانوا يؤذوننا بطوابير التعذيب في السجن الحربي، والأخ يقرأ سورة آل عمران، وكان يقول الشيخ سيد قطب رحمة الله عليه: "هذا القرآن نزل في جو ساخن، ولا يُفهم إلا في الجو الساخن الذي نزل فيه"؛ فالأخ كان يقرأ من سورة آل عمران ونحن نؤذَى في حوش السجن الحربي ونعذَّب وشهر رمضان يظلِّلنا في حر الصيف والله عز وجل مطَّلع علينا، وأخي يقرأ قول الله عز وجل ويجلجل به في زنزانته: ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ (آل عمران: من الآية 140)، ويجلجل بصوته بقول الله تعالى وتتردد أصداء هذا الصوت في الزنزانة ثم في السجن الحربي وفي فضاء العباسية كلها: ﴿وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران: من الآية 139).

* كيف كان وقع تلك الآيات على نفوسكم؟

** هذه آيات إن فهمناها نشعر بأن القرآن نزل ليعالج النفس البشرية في كل حالاتها، وليس فقط ليُسمَع؛ لذلك يقول لنا رب العزة: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا﴾ (الأعراف: من الآية 204)؛ فالإنصات تفاعل بين الأذن والعقل والقلب حتى يورث الخشية: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾ (الفرقان: من الآية 73)، ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًَا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ (الأنفال: من الآية 2).

* هل تتذكر أول رمضان لكم خلف الأسوار؟

** بالتأكيد؛ فقد كان في عام 1965م في حر أغسطس القائظ في السجن الحربي بالعباسية، ولي فيه ذكريات كثيرة مع الإخوة الذين كانوا معي في الزنزانة، وكان معنا الأخ حامد شريك رحمه الله عليه، وكان عضو الهيئة التأسيسية، وهذا الرجل كان عنده شلل نصفي وسكر وضغط دم، وعيناه مريضتان، وأتوا به محمولاً ومشلولاً، وإذا بالتعذيب على باب السجن الحربي يفك شلَله؛ لدرجة أن العسكري الذي كان يضربه بالكرباج على باب السجن فوجئ به يتحرك بقدمه بعد أن كان محمولاً، ويضحك، ولا يكاد يصدق نفسه؛ إن قدمه تتحرك فقد عالج العذاب في السجن ما عجز الأطباء عن علاجه لسنين طويلة.

هذا الرجل لا أزكيه على الله؛ فهو لو أقسم على الله لأبره، فأنا أذكر في أحد الأيام أنه اشتهى بعض الأطعمة فإذا بنداء إليَّ من أسفل السجن الحربي يناديني برقم الزنزانة فأنزل فأجد طلبات الأستاذ حامد بالنص تحملها دابة من دواب السجن الحربي التي أراد الله عز وجل أن تكون موصلةً لهذا الطعام الذي اشتهاه الأستاذ حامد، ونسأل الله عز وجل أن يكون نال الشهادة؛ حيث مات مسمومًا في السجن بعد تناولنا وجبات مسمومة رغم أنوفنا، رغم أن رائحة الطعام كانت تدل على أن صلاحيته منتهية منذ فترة طويلة، لكننا كنا جوعى جدًّا، فاضطررنا إلى أكل الطعام، ثم كانت وفاة الأستاذ حامد شريك داخل مستشفى السجن الحربي هي النتيجة الطبيعية!.

* هل اختلف رمضان بتكراره داخل السجن؟

** لا يمكن أن يصبح فيه تكرار؛ لأن الناس فيه تتغير، ولقاءاتك وعلاقاتك بالناس تتجدد، وفي كل يوم مع كل شخص تكتسب شيئًا جديدًا؛ لذا فإن رمضان يفتح أبواب الخير عليك في حياتك وفي التعامل مع الآخرين، وأنت من خلال هذه الشخصية تتعرف على نموذج آخر من البشر يحتاج منك خدمةً أو دعوةً أو نصيحةً، وأنت بذلك يتجدد إيمانك ما دمت في حركة جارية بين الناس، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم"، ويقول: "خير الناس أنفعهم للناس"، وقديمًا قال العلماء إن المؤمن الذي يحمل دعوته ويتحرك بها كالماء الجاري؛ طاهر في نفسه مطهِّر لغيره، أما الذي يتوقف عن السعي والحركة بين الناس أصبح طاهرًا في نفسه فقط غير مطهِّر لغيره، ولا يؤمن له من طول الرقاد أن يعطن ويصبح هو نفسه غير طاهر والعياذ بالله.

* متى كنت تخلو بنفسك داخل السجن في رمضان؟ ومن كنت تتذكر؟ وبماذا كنت تدعو؟

** ورد الرابطة والذي علَّمه لنا الإمام البنا دائمًا ما يجمعنا بأحبائنا خارج الأسوار، ودائمًا كنت حريصًا وأنا أردد الورد أن أذكر إخواني في اللقاءات بوضعهم الذي كنا نلتقي عليه وترتيبهم في الجلسة، ثم أدعو لهم واحدًا واحدًا، وأسأل الله أن يتقبل دعائي لهم.

أما الخلوة فلا شك أنها كانت دائمًا في فترات الليل، وقت إغلاق الزنازين، ووقت توقف الحركة خارج الزنازين؛ لأننا طوال النهار نكون منشغلين بقضاء الحوائج السريعة، وهذا أيضًا يحتاج إلى ذكر الله؛ لأن ذكر الله لا يصلح أن يكون ذكرًا باللسان فقط؛ لكن العمل لله عز وجل ذكر لله، وكما يقول رب العزة ﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ﴾ (العنكبوت: من الآية 45)؛ أي أنه أكبر من الصلاة؛ فالصلاة هي مجرد ذكر مؤقت لله، وبهذا يصبح ذكر الله الدائم المستمر أفضل وأعظم من الصلاة؛ لأنها ذكر مؤقت لله.

لذلك كانت فترات الخلوة عندما يغلق السجن ويكون هناك الإحساس بأن الدنيا مغلقة من حولك؛ دائمًا تجد أن الله عز وجل بفضله وكرمه يعطي العبد رؤى وكأنه يأخذ روحه ويطوف بها ويأمر الملائكة أن تأخذ هذه الروح ليرى العبد رؤى كثيرة، وهو نفس ما يحدث مع العبد المريض؛ عندما يقيَّد جسده بالمرض، يطلق روحه لتطوف في ملكوت الله، وكان إحساسنا برحمة الله عز وجل ولطفه وكرمه، ونسأل الله عز وجل أن يجعل حياتنا كلها في طاعته في أي مكان كنا أو على أية حال كنا.

دعائي المفضل

* مرَّ عليكم شهر رمضان أربع مرات وأنتم مسجونون في القضية العسكرية التي عُرفت بقضية النقابيين.. فبماذا كنت تدعو دائمًا وأنت في رمضان؟

** كنت أدعو أدعيةً كثيرةً؛ لأن التنوع بالدعاء مع اختلاف الحالة النفسية مهم جدًّا؛ لدرجة أنني كنت في إحدى المرات في رمضان داخل السجن وأتت زوجتي لزيارتي، وأخبرتني بأن والدتي توفيت في نفس اليوم بالمحلة وأنها سوف تسافر لتقدم واجب العزاء وتحضر الجنازة؛ فرجعت من الزيارة وأنا مصاب بالحمى وأصبحت طريح الأرض وليس حتى الفراش، وصليت الظهر والعصر وأنا على هذه الحال، ثم جاء موعد أذكار المساء التي تعوَّدنا أن نرددها في ذلك الوقت قبل صلاة المغرب، وكنت أدعو قائلاً: "اللهم إني أمسيت منك في نعمة وعافية وسَتْر"، وتوقفت.. فحالي الآن أنني عندي حمى ودرجة حرارتي فوق الأربعين، ووالدتي توفيت اليوم، ونحن مهمومون، ومسجونون في رمضان، وبهذا الضيق وبهذه الدنيا الضيقة وهذا الهم والابتلاء أقول: "اللهم إني أمسيت منك في نعمة وعافية وسَتْر"!، وكأن الله تعالى يعلمني على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أنك وقبل أن تطلب من الله عز وجل أي طلب اعترف بالموجود في البداية، ثم اشكر الله عليه؛ ليصبح ذلك في حياتك منهاج حياة وليس فقط دعاء.

ورغم أن هذه الابتلاءات كلها فوق رءوسنا لكني تذكرت أنه لا يزال لديَّ قلب ممتلئ بالإيمان، وعندي بقية النعم لم يأخذها الله مني؛ فيجب عليَّ في البداية أن أشكر الله على بقية النعم، فردَّدت الدعاء مرةً أخرى وأنا موقن به ثم أكملت الدعاء: "فأتم عليَّ نعمتك وعافيتك وسَتْرك في الدنيا والآخرة".. هذا ما نريده كلنا، والأكثر من ذلك أن الأستاذ البنا وضع بعد هذا الدعاء مباشرةً دعاء: "الله ما أمسى بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك؛ فلك الحمد ولك الشكر"، وكأني يا رب لست فقط أشكرك على النعم التي عندي مهما ابتليتني، ولكني أيضًا أشكرك على التي عند غيري من الناس الذين لا يحمدونك عليها، فأنا أحمدك نيابةً عنهم وأعتذر عن أنهم لا يحمدونك عليها.

خالد بدوي ومختار نوح

* من كان سامرك في السجن في هذا الوقت؟

** كل إخواني سمرائي وأحبائي، ولكن كان الأستاذ خالد بدوي له دعاء خاص وصلاة على الرسول خاصة من تراث الأدعية الصوفية، وكان حريصًا على أن يعلِّمنا الدعاء ويحفِّظه لنا، وكذلك بعض الأذكار وبعض المديح النبوي، وكانت هذه الأدعية جميلة جدًّا؛ ترطّب القلوب، وكان أيضًا الأستاذ مختار نوح- ربنا يبارك فيه ويجمعنا به على خير- أحد مخفِّفي هذا الابتلاء داخل السجن.

* كلما تذكرت رمضان والقضية العسكرية وتذكرت الشاطر وبشر ومن معهم.. ما الذي تشعر به؟

** كل الإخوة في العسكرية لهم كتاب عليه صورتهم أضعه على المنضدة حتى أراهم كل فترة أنا وأبنائي، وندعو لهم في كل حركة ونحن ذاهبون وآتون؛ لأنهم في ابتلاء؛ فقد كنا نتصور أن مصر تخلَّصت من هذا الهم وتوقفت عن المحاكمات العسكرية، لكن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ونسأل الله أن يخفف عنهم ويربط على قلوب زوجاتهم وأبنائهم وآبائهم وأهلهم، ويجعله في ميزان حسناتهم، وأقول لهم: "إن يعلم الله في قلوبكم خيرًا يؤتكم خيرًا مما أُخذ منكم ويغفر لكم وذلك الفوز العظيم"، وأن يغفر الله لكم وأن يحفظكم في أهليكم ثم يجمعكم بهم مرةً أخرى بعد الأجر الجزيل لتقولوا ذهب الهم والسجن وابتلَّّت العروق وثبت الأجر بإذن الله وبإذن الله تعالى بعد أن تغمسوا غمسةً في الجنة ثم تسألوا هل ذقتم شقاءً قط، تحمدون الله، ثم تقولون: لا ورب العزة.

توظيف الوقت

* العاملون في العمل العام وخاصةً المرتبط بالدعوة إلى الله يعانون من كثرة الأعباء؛ مما يشغلهم عن الخلوة مع الله، وتحديدًا في مثل هذا الشهر الكريم.. فماذا يفعل الدكتور حبيب في ذلك؟

** هذه مشكلة ومعضلة، والتوازن فيها صعب، لكن الله عز وجل ييسِّرها لمن عمل لها؛ لأن التوازن مطلوب في الإسلام، والرسول أمرنا أن نعطيَ كل ذي حقٍّ حقه، وعلَّمنا أن للبدن حقَّه وللبيت حقَّه وللأسرة حقَّها؛ ولذلك فإن هناك حقوقًا لله يجب أن تؤدَّى لله، وتوجد حقوق لله تؤدَّى إلى عباد الله؛ فالله تعالى قال مثلاً: ﴿أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ﴾ (لقمان: من الآية 14)؛ أي أنك بشكرك لوالديك تكون قد شكرت الله؛ ولذلك بإخلاص النية قبل كل عمل والتوجه بهذه النية خالصةً لله عز وجل تنقلب إلى عبادة حتى العادات في تعاملاتك اليومية ممكن أن تحوِّلها إلى عبادات، بل إن اللقمة التي تضعها في فم امرأتك حتى علاقتك الزوجية حتى الحركة في المجتمع.. كل هذا رب العزة سبحانه وتعالى يزنه في ميزان حسناتك، ويعطيك عليه الأجر والثواب بإذن الله، طالما صلحت النية.

لهذا توجَّه بالنية إلى الله عز وجل في كل عمل، ثم اسأل الله أن يطرح البركة فيه، ونسأل الله عز وجل أن يعافيَنا من أن نقصِّر في حق كل صاحب حقٍّ علينا، وأن يبارك فيما نفعل من عمل أو نقول من قول؛ فالرسول لا يبشرك فقط بأن الأعمال في ميزان حسناتك، بل يقول مثلاً عن المجاهد في سبيل الله إن بول فرسه وروث فرسه بإذن الله في ميزان حسناته، وكأنه يضرب مثلاً بهذه النفايات التي من سيارتك أو من دابتك التي تحملك في الطريق إلى الله عز وجل، فما بالك إن كانت هذه النفايات في ميزان الحسنات، فماذا عن الأعمال الطيبة الصالحة المقدَّمة إلى الله عز وجل؟!، فضلاً عن كل آثار هذا العمل فيما يتعداه إلى غيرك من الناس يأجرك الله عليه دون أن يُنقصَ من أجورهم شيئًا؛ لذا أذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي ينبِّهنا على أهمية السعي في مصالح الناس ومصالح المسلمين؛ حين أكد أن السعي في حوائج المسلمين له ثواب اعتكاف شهر في المسجد النبوي الشريف الذي الركعة فيه بألف ركعة.

* وماذا عن رمضان مع الأسرة والأهل.. كيف يقضيه د. بديع؟

** هذا الرمضان بالذات كان عندي فيه انشغال شديد وحُرمت من أن أفطر معهم مرات عديدة، لكن كنت أُشعرهم أن الذي منعني عنهم هو لله، وأنهم يأخذون مثل أجري دون أن يُنقَص من أجري أو أجورهم شيء؛ ولهذا نتذكر قول أمنا هاجر رضي الله عنها عندما ذهب زوجها إبراهيم- مع الفارق في التشبيه طبعًا؛ لأننا فقط نتأسَّى بخليل الله- عندما تركها هي وابنها فقالت له: "آلله أمرك بهذا؟"، أي أنها كانت تريد أن تتأكد إذا كنت ذاهبًا لعمل ابتغاء مرضات الله وعندما تأكدت قالت له: "اذهب؛ فإن الله لن يضيعنا"؛ لأن انشغالك بقضاء حوائج المسلمين والاهتمام بهمِّ الدعوة والعمل لله سوف ينعكس علينا بالطبع بإذن الله، لن يضيعنا ببركة سعينا في سبيل الله، وقد كان وسيظل بئر زمزم شاهدًا إلى يوم القيامة على أن هذه كانت بركة زوجة رضيت أن يذهب زوجها ويتركها وحدها وطفلها الرضيع؛ لأنه ما دام ذهب لله فإن رب العزة لن يترك أولياءه ولن يضيعهم ورزقهم بماء زمزم طعامًا وشرابًا وعلاجًا وأمنًا وأمانًا.

* كيف يكون يومكم في رمضان؟

** اليوم يبدأ من الفجر بالصلاة وقراءة القرآن، وإن لم أكن متعبًا أو مرهقًا فإنني أنتظر الشروق حتى أصليَ ركعتي الضحى؛ لأن الرسول يبشرنا بأن هذا بأجر حج وعمرة تامَّتين تامَّتين تامَّتين، وهذا التأكيد يؤكد لنا أننا إذا كنا نشك في الثواب فهذا من ضعف إيماننا؛ فمثل هذه التأكيدات تزيدنا يقينًا وإيمانًا بأن ما نفعله نأخذ عليه هذا الأجر؛ فإذا ما ذقت حلاوة أنك أخذت ثواب حج وعمرة تامَّتين تامَّتين تامَّتين، فما أجملها!، وخاصةً بالنسبة لي ولزوجتي وابنتي بعد أن منعونا مرتين من الذهاب للعمرة، وتم ردنا من المطار، فإن هذا على نفسي وعلى نفوسهم له حلاوة خاصة.

ثم إن كان هناك فترة للراحة قبل الذهاب إلى العمل أو قبل القيام بالواجبات ثم فترة قيلولة في الظهيرة أو بعد صلاة الظهر، وبعد الاستيقاظ هناك فترة لقراءة القرآن حتى صلاة العصر أو إذا كان هناك درس أو لقاء في المسجد أو أي مكان آخر بعد العصر، ثم الإفطار وصلاة المغرب، ثم صلاة العشاء والقيام، وأحب أن أقضيَ الوقت بين صلاة المغرب والعشاء مع الأهل والعائلة لبعض الوقت نتحدث، كما أنني أحرص على النوم مبكرًا.

نصائح للإخوان

* ما هي نصائحكم للإخوان في رمضان دائمًا؟

** أنصح نفسي أولاً والإخوان- ربنا يبارك فيهم- أن يكون لكل منهم أجندة لشهر رمضان، نسأل الله أن يوفقهم فيها، لكن النصيحة التي أذكِّر نفسي وإياكم بها هي ما بعد رمضان؛ فنحن الآن وكل المسلمين مشمرون ساعد الجد في العبادات والصلوات... إلخ، ولكن المشكلة فيما بعد رمضان؛ فلاعب الكرة لا يُعقل أن يقام له معسكر تدريبي لمدة شهر استعدادًا لمباراة مهمة وخطيرة ثم بعد هذا التدريب الشاق تُلغى المباراة.

ونحن الآن في معسكر إعداد لجميع المسلمين على مستوى العالم لما بعد رمضان؛ لذا لا بد أن نستعد لما بعد رمضان مثل استعدادنا لرمضان؛ لأنه بعد إطلاق المردة والشياطين يوم العيد سوف يكون هناك معركة حقيقية، وإذا دام العمل واتصل بعد رمضان سوف يكون الدليل الحقيقي أنه كان لله، وإن لم يكن على نفس مستوى العمل في رمضان، لنأخذ كل ما كان في رمضان من خير إلى ما بعد رمضان؛ مثل صيام ست من شوال والقيام ولو بركعتين بعد العشاء.

* هذا للإخوان.. فبماذا تنصح الأخوات في رمضان؟

** أقول للأخوات: إن الله عز وجل ذكركن في القرآن الكريم وضرب لكن نموذجين عندما قال ﴿ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾ (التحريم: 10)، وضرب لكم مثلاً آخر عندما قال: ﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ (12)﴾ (التحريم)، هذان النموذجان لهما خلاصة نهائية؛ فالمرأتان في المثال الأول كانتا زوجتين لنبيين ولم ينفعهما صلتهما بالأنبياء، ومعنى هذا أن صلتكِ بزوجكِ مهما كان صالحًا لن تنتفعي أنت بها، والعكس صحيح أيضًا؛ لأن امرأة فرعون في المثال الثاني كان يمارَس عليها الضغوط من كل مكان، ولكن هذا لم يَثْنِها عن أن تكون امرأةً صالحةً، وسجَّل الله هذا الكلام إلى يوم الدين حتى نتعلم منه، وبهذا لا تضيرك الدنيا مجتمعةً لو أنكِ على علاقة طيبة مع الله، ثم النموذج الثالث لمن لا زوج لها، وهي مريم ابنة عمران التي اتصلت بالله عز وجل فأكرمها الله تعالى وجعل لها الله آية خاصة بها، وضرب بها المثال الذي يُحْتَذَى به إلى يوم القيامة.

لهذا أنصح أختي الكريمة أن تصلح علاقتها مع الله، وأن تنتفع بالخير في زوجها، وأصلحي بيتك وقومي بحسن صلتك لزوجك وأولادك.

* وماذا تقول للشباب لاستثمار ما تبقى من الشهر الفضيل؟

** الشباب أصلاً معنيون بالصيام؛ لأنه يهذِّب هذه الشهوة البشرية؛ ولذلك تجده في رمضان قمةً في الروحانيات؛ لأن عاطفته توجَّهت إلى روحانياته، فغذَّى روحه ولم يغذِّ بدنه؛ فالروح إذا ما غذيناها صعدت إلى خالقها، أما البدن فإذا غذيناه نكث إلى الأرض.

الرسول صلى الله عليه وسلم وصَّانا بالشباب؛ فهؤلاء لا بد أن نستوصيَ بهم خيرًا أن نأخذ بأيديهم وأن نُلجم نزوات عواطفهم بنظرات العقول، ثم نضيء نظرات عقولنا بلهب عواطف هؤلاء الشباب؛ فهم العدة التي تحتاج إلى توجيه، وهم أهل العاطفة والقلب الناضج يجب أن توجَّه؛ لأن الماء الجاريَ لا يقف في وجهه أية عقبة من عقبات أعداء الإسلام، والماء الجاري طاهر في نفسه مطهر لنفسه، أما الماء الساكن فأصبح غير مطهر لنفسه ولا طاهرًا في نفسه.

الشهر الكريم

* تحتل العشر الأواخر من رمضان مكانةً عظيمةً لدى الصائمين.. كيف يتم استغلالها؟.

** الناس تعوَّدوا في نهاية كل عمل أن يصيبهم الملل أو السأم من تكرار العمل ورتابته، أما صيام شهر رمضان فالله عز وجل قد خبَّأ في العشر الأواخر منه جائزة كبرى وعظيمة تحفِّز الهمم وتقوِّي العزائم كي لا تفتر في نهاية شهر رمضان؛ لأن الأعمال بخواتيمها، ونسأل الله أن يرزقنا حسن الخاتمة، وأن يرزقنا الأجر بأحسن ما كنا نعمل، وأن يجعل هذا الشهر وقرآن ربنا شاهدَين بالحسنات لا السيئات؛ ففي العشر الأواخر تكتمل خلاصة هذا الشهر الكريم ووداعه بخلوة مع الله عز وجل بالاعتكاف وإخراج زكاة الفطر تطهيرًا للنفس؛ ففي هذه الأوقات الكريمة تُخبَّأ ليلة القدر.

وعجيب أن الله عز وجل لا يحدد لنا هذه الليلة، ورسول الله ينبئنا بالسبب؛ فإن الأمر كان في أيدينا ونحن الذين حرمنا أنفسنا منه بخلاف بين اثنين من المسلمين.

خرج علينا الرسول ليخبرنا بموعد ليلة القدر تحديدًا فوجد رجلين من المسلمين يتلاحمان، فيقول الرسول "فأنسيتها"؛ فإن كنا الآن نتسابق للحصول على جائزة ليلة القدر فيجب علينا ألا ننسى السبب الذي لم نعرف بسببه موعد ليلة القدر، وهو خلاف بين اثنين من المسلمين، فما بالنا بالخلاف بين المسلمين ودول الإسلام؟!.. خلاف قد شمل العالم الإسلامي الذي جاءت شرائع الإسلام لتوحده، ونحن حالنا هذا حال الخلاف والصراع والشقاق.

إن ربنا حذَّرنا من أن نتنازع فنفشل وتذهب ريحنا، وقال لنا ربنا عز وجل: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران: من الآية 103)؛ فإذا كان القرآن ورمضان قد جاءا ليوحدانا، فما بال حالنا هذا من الفُرقة؟!.

هيا ننبذ الفُرقة على المستوى الفردي والجماعي والدولي ونتمسك بكلام ربنا ونذوق حلاوة الوحدة والترابط والأخوة التي نبَّهنا عليها الأستاذ البنا رحمه الله عندما قال أول عناصر القوة قوة الإيمان، ثم ثانيها قوة الوحدة والترابط، ثم ثالثها قوة الساعد والسلاح، إننا الآن في اختبار عسير ومهم يجب أن ننجح فيه.

* كيف نتزود لما بعد رمضان خاصةً أن الهمم تضعف والإيمان يقل؟.

** كما قلت فإننا ما عشنا في شهر رمضان إلا تدريبًا لما بعد رمضان؛ حيث تبدأ المعركة الحقيقية مع الشياطين والمردة؛ فهل تدربنا في شهر رمضان على هزيمتهم؟! أم سيهزموننا ونعود إلى نقطة الصفر بعد رمضان؟.

رب العزة يحذرنا ويقول: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا﴾ (النحل: من الآية 92)، فلقد قمنا بتقوية صلتنا بربنا عز وجل خلال هذا الشهر الكريم، ونحن الآن نتسابق إلى ليلة القدر، ونسأل الله أن يبلغنا إياها، والتي فيها يعلمنا الرسول بدعاء واحد أن نسال الله عز وجل العفو، وهو كريم يحب العفو.

* هل من معانٍ مطلوبٌ منا التحلي بها خلال هذا الشهر لما بعده؟

** السلام.. الذي نريد نشره كلامًا ومعنى وظاهرًا وباطنًا؛ فالسلام هو صفاء النفوس الذي أدناه- كما يقول الإمام البنا رحمة الله عليه- سلامة الصدر، وأعلاه الإيثار، هذا هو الدرس الذي يجب أن يستمر معنا بعد رمضان؛ فيجب أن نوطِّن أنفسنا حتى لا نتغيَّر بعد رمضان؛ فإنه ما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل.

نسأل الله أن سيجعل العشر الأواخر عتقًا لنا من النار، ونجاةً من عذاب الجبار، وفرصةً لتوحيد الأمة فردًا فردًا، ودولةً دولةً.

* ذكرت فضائل العشر الأواخر، ولكن ماذا عن الاعتكاف؟

** الاعتكاف طعمه جميل؛ نذوق حلاوته في أن نخلوَ بربنا عز وجل؛ أرأيت هذا الشعور في أن تخلوَ بربك وليس بينك وبينه إلا القرآن والذكر والعبادة والتهجد؟! أرأيت الرسول وهو يقارنه بشيء غريب جدًّا وهو عشر دقائق أو ربع ساعة تسعى فيها في مصلحة مسلم أو مسلمة، والنتائج ليست موكلة إلينا، ولكننا نأخذ الأجر على السعي، ثم يقول الرسول إن فعلت هذا في عشر دقائق تعدل اعتكافًا في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم لمدة شهر وفي رواية شهرين.

لماذا يقرنها الرسول بالاعتكاف؟ ليقول لك إن أي عمل تعمله ابتغاء مرضاة الله تحقق به هذه الروحانية العالية كالاعتكاف في مسجد النبوي الشريف لمدة شهر؛ فإنك إن مشيت في حاجة أخيك رب العزة يأجرك اعتكافًا ليس في أحد مساجد مصر ولكن في مسجد الرسول التي الركعة فيه بألف ركعة.

* ماذا تقول فيمن يقاومون نشر هذه السنة النبوية؟

** نَكِلُ أمرهم إلى الله عز وجل، ونحن متأكدون أن نور الله لا يطفئه بشر مهما حاول؛ فبهذا التعبير القرآني الكبير فإن الذين يحاولون أن يطفئوا نور الله بأفواههم يستحقون الشفقة؛ لأن نور الله لا يطفئه بشر؛ فمن يبحث عن الله لن يطفئ نورَه أحد، أما إن كنت تبحث عن نفسك فنور الله لن يُطفَأ مهما بلغت الأسباب؛ ولهذا أنبه على أن ما بعد رمضان فيه كل ما كان في رمضان؛ فهناك الصيام والصدقة والاعتكاف والسعي في مصالح الناس؛ وبهذا كل ما كان في رمضان من قرآن وصيام وقيام الليل يظل بعد رمضان.

إذن ما كان لله في رمضان من عمل يستمر بعد رمضان إن كان لله، إما إن كان لغير الله فسينقطع وينفصل؛ لذلك يقول رسولنا الكريم: "وطِّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا" بعد رمضان لأن الشياطين تنطلق بعد رمضان ونجد أناسَا ينطلقون كالشياطين وكأنهم كان مسلسلين في رمضان.

غزة الصامدة

* رمضان في غزة.. كيف ترى صورة هذا الشعب المجاهد؟

** الصورة أقسى على النفس من حصار شعب أبي طالب؛ لأن الحصار في الشعب كان على يد الكفار، ولا أنسى أنه كان يُروى في السيرة أن كفار مكة كانوا يضعون الأطعمة والألبسة والأشربة على الناقة ويضربون الناقة من على مدخل الشعب لتدخل؛ لا يعرف أحد من أرسلها لإنقاذ هؤلاء الجوعى والعطشى، وأنبه على جزء خطير جدًّا؛ أننا نشارك الآن في حصار إخواننا في غزة، وأناشد إخواننا الذين يقفون على معبر رفح من الضباط والجنود وأقول لهم: افعلوا ما فعله كفار مكة إن لم تكونوا خيرًا منهم، وقولوا إن أناسًا أتوا بهذا الطعام والدواء، ولا ندري من هم، وأدخلوا هذا للجوعى والعطشى داخل القطاع؛ فنحن لا نريد أن يدخل أحد من المعبر، قولوا فقط إن هذه أطعمة مرسلة إليكم حتى تحصلوا هذا الأجر، وتذكروا أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق بأن تؤذوا مسلمًا أو تحاصروه، ونسأل الله عز وجل أن يوفق قادتكم إلى ألا يأمروكم بأمر فيه معصية الله.

وأقول لإخواننا في غزة: كان صحابة رسول الله يحكون عن حصار شعب أبي طالب وكيف أنهم أكلوا ورق الشجر وقرحت أشداقهم، ويقولون: ما منا اليوم إلا أمير على مصر من الأمصار، وهذا كان نتاج الحصار، وسيكون- بإذن الله- نتاج حصار غزة هو نفس النتيجة ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾ (النور: من الآية 55)، أنتم الآن في الخوف، ووعدكم الله أنه سوف يبدله بالأمن.

مشاكل الأمة

* ما هو الاستثمار الأمثل لمبدأ مجاهدة النفس الذي تلتزم به الأمة في رمضان لينعكس على وحدة التعاطي مع قضايا الأمة الساخنة؟.

** المشكلة الآن في التدريب على الانتصار على النفس من الداخل؛ لأن العدو هذا يواجهني من الخارج، وكثيرًا ما نجد أعداء الإسلام يحاولون مهاجمتنا من الداخل؛ فإذا ما واجهونا وجدونا مهزومين؛ لأن الشخص الذي هزمته شهواته فإن عدوه لا يحتاج إلى مجهود ليهزمه؛ لأنه مهزوم من الداخل كما يقول سيد قطب، وبالتالي فإذا انتصرت على شهواتك ونفسك وهواك وعلى عدوك الداخلي ستكون على غيرك أقدر.

اتهامات إخوانية

* البعض يتهم الإخوان بأن أداءهم الدعوي والخدمي في رمضان خاصة وغيره بوجه عام هو نوع من أدوات الدعاية السياسية البحتة المنقطعة عن أي جذور إيمانية أو دعوية.. كيف تردون علة ذلك؟.

** بالله عليكم.. لو أننا قعدنا ولم نساعد الناس ولم نفعل أعمال البر في رمضان، ماذا كانوا سيقولون عنا؟! هل كانوا سيمدحوننا لأننا لا نفعل أعمال البر؟! أم كانوا سيهاجموننا لأننا قعدنا عن مناصرة الأمة والأخذ بأيدها؟!.

هذه نيات، ولا يعرف النيات إلا الله عز وجل، ونطلب منكم النصيحة، قولوا لنا: نسألكم أن تخلصوا النيات وأن تفعلوا هذه الأعمال من أجل الله عز وجل، لكن أن تقولوا إننا نبغي بهذا غير وجه الله فهذا ليس لكم.

وبالله عليكم.. أخبروني أنتم أيها الحزب وطني: لماذا أنتم فعلتم شنطة رمضان كما فعل الإخوان المسلمون؟ إذا كان ما نفعله شيئًا فيه رياء أو سمعة فلماذا علقتم بأسمائكم اللافتات التي كنا نكتب عليها الآيات والأحاديث؟.

جزاكم الله خيرًا على ذلك، لقد كنا عندما نعلقها باسم الإخوان المسلمين كنتم تقطعونها، لكن الآن أنتم من يعلقونها، نحن نريد فقط نشر الآيات والأحاديث، وليكن عليها أي اسم، ونسـل الله أن يرزقنا وإياكم الإخلاص فيما نفعل، وسنرى أن العمل الذي يكون لله يدوم ويتصل، وما لغير الله ينقطع وينفصل.

* هناك من يرى أيضًا أن الأفعال الإيمانية والتعبدية حوَّلتها العادة الإخوانية إلى فعل حركي خاوٍ من معانيه الإيمانية.. فما تعليقك على ذلك؟.

** جزاهم الله خيرًا أن نبهونا على هذه القضية حتى نخلص النيات، وإلا يطول الأمد بنا فتقسوا قلوبنا، وإلا تتحول أعمالنا إلى عادات رتيبة، ولكن القضية الآن هل يتصورون أن السعي في مصالح الناس شيئُا يناقض العبادة؟! فالرسول يقول عن ربع ساعة في قضاء حوائج المسلمين أنها خير من الاعتكاف في مسجده شهرًا كاملاً، وبالتأكيد فإن قضاء حوائج فرد ليست أهم من قضاء حوائج الدعوة التي هي حوائج لكل المسلمين، فكيف إذن تكون هذه الحركة مقللة للثواب بعد كل هذا؟!.

* ولكن الواقع يؤكد أن كثيرًا من الإخوان ينشغلون في رمضان بأمور إدارية تلهيهم عن أصولهم الربانية؟.

** عندما تقرأ قول الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)﴾ (الأنعام)؛ فإن معنى ذلك أنك إذا توجهت بأي عمل إلى الله، حتى الأكل والشرب إذا سميت فيه واتبعت فيه السنة فقد حوَّلت العادة والشهوة إلى عمل صالح تؤجر عليه؛ فنحن عبيد نلتزم بأوامر سيدنا النبي في أي عمل نقوم به، ولا أقول أعمالاً شغلتنا عن العبادة؛ فكلها عبادة لله بشرط إخلاص النية؛ فالله يتقبل ما كان خالصًا له.

* ولكن بالفعل هناك فعاليات إخوانية يهمها بالدرجة الأولى طبع اسم وشعار الجماعة في كل مكان؟.

** نحن كنا حريصين على الاسم والشعار لأنه غُيِّب عن الساحة سنوات طويلة، فحاولنا أن نذكِّر الناس بهذا الاسم الذي حاولوا طمسه، ونور الله لا يطفئه بشر؛ فنحن خرجنا ابتغاء مرضاة الله، ولا نرفع إلا راية الإسلام، فهل عندنا شيء يخالف شرع الله؟! إذا وجدتم كلمة تخالف شرع الله فنحن أول من يلتزم بحذفه فورًا، وخير دليل تقرير مجمع البحوث الإسلامية والأزهر عن كتب الإخوان الذي قال إنها كتب بها من الخير الكثير، والبعض أوصى بإعادة نشرها؛ فنحن نخلص النيات ونرفض اتهامنا فيها.

ونحن عندما أصررنا على رفع الشعار فلأنهم- ولفترة طويلة- حرمونا حتى من ذكره، حتى إن الناس كانوا يقولون: "الحمد لله والله أكبر" خوفًا من قول "الله أكبر ولله الحمد"؛ لأنه شعار إخواني، رغم أنه في الأصل ليس شعارًا إخوانيًّا، وإنما شعار التكبير في أيام العيد، وهو سنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

حصار الجماعة

* الحصار الأمني المفروض على أنشطة الإخوان عامةً وفي رمضان بوجه خاص، والذي كُلِّل بإلغاء الإفطار السنوي للجماعة.. هل يمثل تراجعًا للجماعة؟.

** كل واحد مسئول عما يفعله، ونحن لا نتوقف عن أي عمل لله مهما أصابنا من عقبات، ومهما وضعوا العقبات في وجه الدعوة سلكنا طريقًا آخر؛ لأن الماء الجاريَ مهما وضعوا عراقيل أمامه فسوف يستجمع قواه ويتخطى العقبة أو يبحث عن طريق آخر يسلكه، المهم أن يكمل طريقه إلى الأمام، ونحن لا نسعى إلى خيرنا فقط، بل إلى خير هذه الأمة ونوصل الخير إليها؛ فإن أرشدنا الناس على الخير فهل سيكون هذا ضد هذه الإدارة التي تحكم البلد؟! وهل جريمتنا أننا نساعد هذه الإدارة على تقديم الخير فيما قصَّروا هم فيه؟! فما أقل من أن يساعدونا أو يتركونا على الأقل!، أما أن يضعوا العراقيل أمامنا فإن الله عز وجل قال لنا إن العراقيل لم توضع فقط في طريق المصلحين ولكن في طريق الأنبياء والمرسلين، وبفضل الله استبدلنا هذه الوسائل بوسائل أخرى نسأل الله أن يبارك لنا فيها، كما أن الاتصال الآن بالناس لم يعد أحد قادرًا على قطعه في عصر السماوات المفتوحة.

هناك 3 تعليقات:

desert cat يقول...

الاخوان والسلفيين سبب في نكستنا ووكستنا
مفيش حد جابنا ورا غيرهم مع احترامي

Hosam Yahia حسام يحيى يقول...

:d

ده على التعليق اللى قبلى

.........

بجد كلام جميل جدا ومعانى كبيره

وحسبى الله ونعم الوكيل فى الظالمين كلهم

مدونتك جميله ماشاء الله انا ضفتها فى المفضله

هند محسن يقول...

حوار جامد قوي و له ثقله يا أ / احمد

هو دسم جداً .. من وجهة نظري ما كانش ينزل في حديث الذكريات ، كان ينزل في حوارات و تحقيقات منفرد

شارك مع اصدقائك

Share |